Add parallel Print Page Options

المِدْيَانِيُّونَ يُحَارِبُونَ إسْرَائِيل

وَفَعَلَ بَنُو إسْرَائِيلَ الشَّرَّ أمَامَ اللهِ. فَأسقَطَهُمُ اللهُ بِيَدِ المِدْيَانِيِّينَ مُدَّةَ سَبْعِ سَنَوَاتٍ.

فَقَوِيَ بَنُو مِدْيَانَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ. وَبِسَبَبِ المِدْيَانِيِّينَ، اضْطُرَّ بَنُو إسْرَائِيلَ إلَى عَمَلِ مَخَابِئَ لِأنْفُسِهِمْ فِي الجِبَالِ وَالكُهُوفِ وَالأمَاكِنِ المُنعَزِلَةِ. وَكُلَّمَا زَرَعَ بَنُو إسْرَائِيلَ مَحَاصِيلَ، كَانَ بَنُو مِدْيَانَ وَالعَمَالِقَةُ وَالشَّرْقِيُّونَ يَصْعَدُونَ لِلهُجُومِ عَلَيْهِمْ. فَكَانُوا يُخَيِّمُونَ عَلَى أرْضِ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَيُدَمِّرُونَ المَحَاصِيلَ إلَى غَزَّةَ. وَلَمْ يَكُونُوا يَتْرُكُونَ لَهُمْ مَا يَعْتَاشُونَ عَلَيْهِ، لَا غَنَمًا وَلَا بَقَرًا وَلَا حَمِيرًا. أتَوْا بِأعْدَادٍ كَبِيرَةٍ كَالجَرَادِ، هُمْ وَعَائِلَاتُهُمْ وَمَوَاشيهِمْ وَحَتَّى خِيَامُهُمْ. فَكَانُوا هُمْ وَجِمَالُهُمْ أكْثَرَ مِنَ أنْ يُحْصَوا. فَيَدْخُلُونَ الأرْضَ وَيُخَرِّبُونَهَا. فَصَارَ بَنُو إسْرَائِيلَ فُقَرَاءَ جِدًّا بِسَبَبِ مِدْيَانَ، وَاسْتَنْجَدُوا بِاللهِ.

وَعِنْدَمَا اسْتَنْجَدَ بَنُو إسْرَائِيلَ بِاللهِ بِسَبَبِ مِدْيَانَ، أرْسَلَ اللهُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ نَبِيًّا وَقَالَ لَهُمِ: «هَذَا هُوَ مَا يَقُولُهُ اللهُ، إلَهُ إسْرَائِيلَ: ‹أنَا أخرَجْتُكُمْ بِنَفْسِي مِنْ مِصْرٍ، وَأخرَجْتُكُمْ مِنْ ثَكَنَاتِ العَبِيدِ. أنقَذْتُكُمْ مِنْ سَيطَرَةِ المِصْرِيِّينَ، وَمِنْ كُلِّ مُضْطَهِدِيكُمْ هُنَا فِي الأرْضِ. طَرَدْتُهُمْ أمَامَكُمْ، وَأعْطَيْتُكُمْ أرْضَهُمْ. 10 وَقُلْتُ لَكُمْ: أنَا إلَهُكُمْ، لَا تُكْرِمُوا آلِهَةَ الأمُورِيِّينَ الَّذِينَ تَسْكُنُونَ بَيْنَهُمْ. لَكِنَّكُمْ لَمْ تُطِيعُونِي.›»

مَلَاكُ اللهِ يَزُورُ جِدْعُون

11 وَجَاءَ مَلَاكُ اللهِ، وَجَلَسَ تَحْتَ البَلُّوطَةِ فِي عَفْرَةَ، الَّتِي كَانَتْ مِلْكًا لِيُوآشَ الأبِيعَزَرِيِّ. وَكَانَ ابْنُهُ جِدْعُونُ يَدْرُسُ القَمْحَ فِي مِعْصَرَةِ العِنَبِ لِكَي يُخْفِيهِ عَنِ المِدْيَانِيِّينَ. 12 وَظَهَرَ مَلَاكُ اللهِ لِجِدْعُونَ، وَقَالَ لَهُ: «اللهُ مَعَكَ أيُّهَا المُحَارِبُ القَدِيرُ.»

13 فَقَالَ لَهُ جِدْعُونُ: «عَفْوًا يَا سَيِّدِي، لَكِنْ إنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَلِمَاذَا حَدَثَ كُلُّ هَذَا لَنَا؟ وَأينَ كُلُّ أعْمَالِهِ القَدِيمَةِ الَّتِي أخبَرَنَا عَنْهَا آبَاؤُنَا وَقَالُوا: ‹أخرَجَنَا اللهُ مِنْ مِصْرٍ!› فَهَا قَدْ تَرَكَنَا اللهُ، وَتَرَكَ المِدْيَانِيِّينَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْنَا.»

14 فَالْتَفَتَ إلَيْهِ اللهُ وَقَالَ: «اذْهَبْ بِقُوَّتِكَ هَذِهِ وَأنقِذْ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ سَيطَرَةِ مِدْيَانَ، وَهَا أنَا أُرسِلُكَ.»

15 فَقَالَ لَهُ جِدْعُونُ: «عَفوًا يَا رَبُّ، لَكِنْ كَيْفَ لِي أنْ أُنْقِذَ إسْرَائِيلَ؟ فَهَا عَشِيرَتِي هِيَ الأضْعَفُ فِي قَبِيلَةِ مَنَسَّى، وَأنَا الأقَلُّ أهَمِّيَّةً فِي عَائِلَتِي.»

16 فَقَالَ لَهُ اللهُ: «لَكِنِّي سَأكُونُ مَعَكَ، وَسَتَهْزِمُهُمْ كَمَا لَوْ أنَّهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ!»

17 فَقَالَ لَهُ جِدْعُونُ: «إنْ كُنْتَ رَاضِيًا عَنِّي، فَأعْطِنِي عَلَامَةً عَلَى أنَّكَ أنْتَ الَّذِي تَتَكَلَّمُ مَعِي. 18 وَلَا تَذْهَبْ حَتَّى أعُودَ إلَيْكَ وَمَعِي تَقْدِمَتِي، وَأضَعَهَا أمَامَكَ.» فَقَالَ: «سَأبقَى حَتَّى تَعُودَ.»

19 فَدَخَلَ جِدْعُونُ إلَى بَيْتِهِ، وَأعَدَّ مِعْزَى صَغِيرَةً. وَخَبَزَ قُفَّةً[a] مِنَ الطَّحِينِ بِلَا خَمِيرَةٍ. وَوَضَعَ اللَّحمَ فِي سَلَّةٍ، وَالمَرَقَ فِي وِعَاءٍ. ثُمَّ أحضَرَهَا إلَيْهِ تَحْتَ البَلُّوطَةِ، وَقَدَّمَهَا لَهُ.

20 فَقَالَ لَهُ مَلَاكُ اللهِ: «خُذِ اللَّحْمَ وَالخُبْزَ غَيْرَ المُخْتَمِرِ، وَضَعْهَا عَلَى هَذِهِ الصَّخرَةِ، ثُمَّ ألقِ المَرَقَ بَعيدًا.» فَفَعَلَ جَدْعُونُ ذَلِكَ.

21 فَمَدَّ مَلَاكُ اللهِ طَرَفَ العَصَا الَّتِي بِيَدِهِ، وَلَمَسَ اللَّحْمَ وَالخُبْزَ غَيْرَ المُخْتَمِرِ، فَصَعِدَتْ نَارٌ مِنَ الصَّخرَةِ وَالْتَهَمَتِ اللَّحْمَ وَالخُبْزَ. ثُمَّ اخْتَفَى مَلَاكُ اللهِ.

22 فَأدْرَكَ جِدْعُونُ أنَّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ هُوَ مَلَاكُ اللهِ، فَقَالَ جِدْعُونُ: «وَيلِي أيُّهَا الرَّبُّ الإلَهُ، فَقَدْ رَأيْتُ مَلَاكَ اللهِ وَجْهًا لِوَجْهٍ.»

23 ثُمَّ قَالَ اللهُ: «سَلَامٌ لَكَ. لَا تَخَفْ. لَنْ تَمُوتَ.»

24 فَبَنَى جِدْعُونُ هُنَاكَ مَذْبَحًا للهِ، وَأسْمَاهُ: «يهوه سَلَامٌ.» وَلَمْ يَزَلْ هَذَا المَذْبَحُ فِي عَفْرَةَ الَّتِي تَخُصُّ الأبِيعَزَرِيِّينَ.

جِدْعُونُ يَهْدِمُ مَذْبَحَ البَعل

25 وَفِي تِلْكَ اللَّيلَةِ قَالَ لَهُ اللهُ: «خُذْ ثَوْرَ أبِيكَ، أيِ الثَّوْرَ الثَّانِي ذَا السَّنَوَاتِ السَّبْعِ، وَاهدِمْ مَذْبَحَ البَعْلِ الَّذِي يَخُصُّ أبَاكَ، وَاخلَعْ عَمُودَ عَشْتَرُوتَ الَّذِي بِجَانِبِهِ. 26 ثُمَّ ابْنِ مَذْبَحًا مُلَائِمًا لِإلَهِكَ عَلَى قِمَّةِ هَذَا الجَبَلِ. وَخُذِ الثَّوْرَ الثَّانِي وَقَدِّمْهُ ذَبِيحَةً عَلَى خَشَبِ عَمُودِ عَشْتَرُوتَ.»

27 فَأخَذَ جِدْعُونُ رَجُلَينِ مِنْ بَيْنِ خُدَّامِهِ وَفَعَلَ كَمَا أمَرَهُ اللهُ. لَكِنَّهُ كَانَ خَائِفًا جِدًّا مِنْ عَائِلَتِهِ وَمِنْ أهْلِ البَلْدَةِ، لِهَذَا لَمْ يَفْعَلْ هَذَا الأمْرَ نَهَارًا بَلْ لَيْلًا.

28 وَلَمَّا اسْتَيْقَظَ أهْلُ البَلْدَةِ فِي الصَّبَاحِ التَّالِي، دُهِشُوا إذْ رَأوْا مَذْبَحَ البَعْلِ مَهْدُومًا، وَعَمُودَ عَشْتَرُوتَ مَخلُوعًا وَمُلقَىً إلَى جَانِبِهِ. وَدُهِشُوا أيْضًا لِأنَّهُمْ رَأوْا أنَّ الثَّورَ الثَّانِي، قُدِّمَ عَلَى المَذْبَحِ الَّذِي بُنِيَ.

29 فَقَالُوا أحَدُهُمْ لِلآخَرِ: «مَنْ هَدَمَ المَذْبَحَ، وَمَنْ خَلَعَ عَمُودَ عَشتَرُوتَ؟» وَبَعْدَ البَحثِ وَالتَّقَصِّي قِيلَ لَهُمْ: «إنَّ جِدْعُونَ بْنَ يُوآشَ هُوَ الَّذِي فَعَلَ هَذَا.»

30 فَقَالَ أهْلُ البَلْدَةِ لِيُوآشَ: «أحْضِرِ ابْنَكَ لِكَي نَقتُلَهُ، لِأنَّهُ هَدَمَ مَذْبَحَ البَعْلِ، وَقَطَعَ عَمُودَ عَشْتَرُوتَ.»

31 فَقَالَ يُوآشُ لِكُلِّ الَّذِينَ أحَاطُوا بِهِ: «ألَعَلَّكُمْ تُرِيدُونَ أنْ تُدَافِعُوا عَنِ البَعْلِ؟ ألَعَلَّكُمْ تُرِيدُونَ أنْ تُخَلِّصُوهُ؟ مَنْ يُدَافِعُ عَنْهُ سَيُقْتَلُ قَبْلَ الصَّبَاحِ. إنْ كَانَ إلَهًا حَقًّا، فَلْيُدَافِعْ عَنْ نَفْسِهِ، فَقَدْ هَدَمَ أحَدُهُمْ مَذْبَحَهُ.» 32 وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ سَمَّى يُوآشُ جِدْعَوْنَ «يَرُبَّعَلَ،» بِمَعْنَى: «لِيُواجِهْهُ البَعلُ إذًا، لِأنَّهُ هَدَمَ مَذْبَحَهُ.»

جِدْعُونُ يَهْزِمُ المِدْيَانِيِّين

33 وَاجتَمَعَ المِدْيَانِيُّونَ وَالعَمَالِقَةُ وَأهْلُ الشَّرْقِ مَعًا. فَعَبَرُوا نَهْرَ الأُرْدُنِّ، وَخَيَّمُوا فِي وَادِي يَزْرَعِيلَ. 34 حِينَئِذٍ، حَلَّ رُوحُ اللهِ عَلَى جِدْعُونَ، فَنَفَخَ البُوقَ، وَدَعَا الأبِيعَزَرِيِّينَ لِيَتْبَعُوهُ. 35 وَأرْسَلَ رُسُلًا عَبْرَ جَمِيعِ الأرَاضِي التَّابِعَةِ لِمَنَسَّى، وَاسْتَدْعَى أيْضًا قَبِيلَةَ مَنَسَّى، وَأرْسَلَ رُسُلًا إلَى قَبَائِلِ آشَرَ وَزَبُولُونَ وَنَفْتَالِي، فَصَعِدُوا لِلِقَائِهِ.

36 فَقَالَ جِدْعُونُ للهِ: «أصَحِيحٌ أنَّكَ تُرِيدُ أنْ تُنْقِذَ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى يَدَيَّ كَمَا قُلْتَ؟ 37 إنْ كَانَ الأمْرُ كَذَلِكَ، فَهَا أنَا أضَعُ بَعْضَ الصُّوفِ عَلَى البَيدَرِ. فَإذَا وَجَدْتُ نَدَىً عَلَى الصُّوفِ وَحْدَهُ، وَالأرْضُ كُلُّهَا جَافَّةً مِنْ حَوْلِهِ، حِينَئِذٍ، سَأتَيَقَّنُ أنَّكَ سَتُنْقِذُ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى يَدَيَّ، كَمَا قُلْتَ.»

38 وَهَذَا مَا حَدَثَ. فَعِنْدَمَا أفَاقَ فِي الصَّبَاحِ التَّالِي، وَعَصَرَ الصُّوفَ، خَرَجَ مِنْهُ مِلءُ وِعَاءٍ مِنَ النَّدَى.

39 فَقَالَ جِدْعُونُ للهِ: «لَا يَشْتَعِلْ غَضَبُكَ مِنِّي إنْ طَلَبْتُ طَلَبًا آخَرَ! أريدُ أنْ أمْتَحِنَ الأمْرَ ثَانِيَةً بِالصُّوفِ. فَلِيَكُنِ الصُّوفُ جَافًّا، وَالنَّدَى يُبَلِّلُ كُلَّ الأرْضِ مِنْ حَوْلِهِ.»

40 وَفِي تِلْكَ اللَّيلَةِ، فَعَلَ اللهُ ذَلِكَ. فَكَانَ الصُّوفُ جَافًّا، وَالنَّدَى عَلَى كُلِّ الأرْضِ مِنْ حَوْلِهِ.

Footnotes

  1. 6‏:19 قُفَّة حرفيًا «إيفَة.» وَهِيَ وِحدةُ قيَاسٍ للمَكَاييلِ الجَّافّةِ تُعَادلُ نَحْوَ ثَلَاثَةٍ وَعشرِينَ لِترًا.

جدعون

وَعَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَقْتَرِفُونَ الإِثْمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ فَسَلَّطَ عَلَيْهِمِ الْمِدْيَانِيِّينَ سَبْعَ سَنَوَاتٍ. وَاشْتَدَّتْ وَطْأَةُ الْمِدْيَانِيِّينَ عَلَى إِسْرَائِيلَ حَتَّى لَجَأَ الإِسْرَائِيلِيُّونَ إِلَى الْجِبَالِ لِيَعِيشُوا فِي الْكُهُوفِ وَالْمَغَائِرِ. وَكُلَّمَا زَرَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ زَرْعاً جَاءَ النَّاهِبُونَ الْمِدْيَانِيُّونَ وَالْعَمَالِقَةُ وَسِوَاهُمْ مِنْ أَبْنَاءِ الْمَشْرِقِ لِيَنْهَبُوا مَحَاصِيلَهُمْ، فَيَغْزُونَهُمْ وَيُتْلِفُونَ غَلّاتِ أَرْضِهِمْ حَتَّى تُخُومِ غَزَّةَ وَلا يَتْرُكُونَ لِلإِسْرَائِيلِيِّينَ مَا يَقْتَاتُونَ بِهِ، وَيَسْتَوْلُونَ أَيْضاً عَلَى الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْحَمِيرِ. لأَنَّهُمْ كَانُوا يَغْزُونَ الْبِلادَ بِمَوَاشِيهِمْ وَخِيَامِهِمْ، فَكَانُوا فِي كَثْرَةِ الْجَرَادِ، لَا يُحْصَى لَهُمْ وَلا لِجِمَالِهِمْ عَدَدٌ، فَيَغْزُونَ الأَرْضَ وَيُتْلِفُونَهَا. فَأَذَلَّ الْمِدْيَانِيُّونَ الإِسْرَائِيلِيِّينَ جِدّاً، فَاسْتَغَاثَ هَؤُلاءِ بِالرَّبِّ.

وَعِنْدَمَا اسْتَغَاثَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالرَّبِّ مِنْ ظُلْمِ الْمِدْيَانِيِّينَ، أَرْسَلَ الرَّبُّ نَبِيًّا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَالَ لَهُمْ: «هَذَا مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: لَقَدْ أَخْرَجْتُكُمْ مِنْ مِصْرَ وَحَرَّرْتُكُمْ مِنْ نِيرِ الْعُبُودِيَّةِ. وَأَنْقَذْتُكُمْ مِنْ قَبْضَةِ الْمِصْرِيِّينَ وَمِنْ يَدِ جَمِيعِ مُضَايِقِيكُمْ، وَطَرَدْتُهُمْ مِنْ وَجْهِكُمْ وَوَهَبْتُكُمْ أَرْضَهُمْ. 10 وَقُلْتُ لَكُمْ: أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكُمْ. لَا تَخَافُوا آلِهَةَ الأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ أَنْتُمْ مُقِيمُونَ فِي أَرْضِهِمْ، لَكِنَّكُمْ لَمْ تُطِيعُوا قَوْلِي».

11 ثُمَّ جَاءَ مَلاكُ الرَّبِّ إِلَى قَرْيَةِ عَفْرَةَ، وَجَلَسَ تَحْتَ شَجَرَةِ الْبَلُّوطِ الَّتِي يَمْلِكُهَا يُوآشُ الأَبِيعَزَرِيُّ. وَكَانَ ابْنُهُ جِدْعُونُ يَخْبِطُ حِنْطَةً فِي الْمِعْصَرَةِ لِكَيْ يُهَرِّبَهَا مِنَ الْمِدْيَانِيِّينَ. 12 فَتَجَلَّى لَهُ مَلاكُ الرَّبِّ وَقَالَ لَهُ: «الرَّبُّ مَعَكَ أَيُّهَا الْمُحَارِبُ الْجَبَّارُ». 13 فَقَالَ لَهُ جِدْعُونُ: «دَعْنِي أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي: إِنْ كَانَ الرَّبُّ مَعَنَا، فَلِمَاذَا أَصَابَنَا كُلُّ هَذَا الْبَلاءِ؟ وَأَيْنَ كُلُّ عَجَائِبِهِ الَّتِي حَدَّثَنَا بِها آبَاؤُنَا قَائِلِينَ: أَلَمْ يُخْرِجْنَا الرَّبُّ مِنْ مِصْرَ؟ وَالآنَ قَدْ نَبَذَنَا الرَّبُّ وَجَعَلَنَا فِي قَبْضَةِ مِدْيَانَ». 14 فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الرَّبُّ وَأَجَابَ: «اذْهَبْ بِمَا تَمْلِكُهُ مِنْ قُوَّةٍ وَأَنْقِذْ إِسْرَائِيلَ مِنْ قَبْضَةِ الْمِدْيَانِيِّينَ. أَلَسْتُ أَنَا الَّذِي أَرْسَلَكَ؟» 15 فَأَجَابَ جِدْعُونُ: «دَعْنِي أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي: كَيْفَ أُنْقِذُ إِسْرَائِيلَ وَعَشِيرَتِي هِيَ أَضْعَفُ عَشَائِرِ سِبْطِ مَنَسَّى، وَأَنَا أَقَلُّ أَفْرَادِ عَائِلَتِي شَأْناً؟» 16 فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «سَأَكُونُ مَعَكَ فَتَقْضِي عَلَى الْمِدْيَانِيِّينَ وَكَأَنَّكَ تَقْضِي عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ». 17 فَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتُ حَقّاً قَدْ حَظِيتُ بِرِضَاكَ، فَأَعْطِنِي عَلامَةً أَنَّكَ أَنْتَ الَّذِي تُخَاطِبُنِي. 18 أَرْجُوكَ أَلا تَمْضِيَ مِنْ هُنَا حَتَّى أَرْجِعَ وَأَضَعَ تَقْدِمَتِي أَمَامَكَ». فَأَجَابَهُ: «سَأَبْقَى حَتَّى تَرْجِعَ».

19 فَدَخَلَ جِدْعُونُ إِلَى بَيْتِهِ وَأَعَدَّ جَدْياً وَإِيفَةَ دَقِيقٍ فَطِيراً، وَوَضَعَ اللَّحْمَ فِي سَلٍّ وَالْحِسَاءَ فِي قِدْرٍ، وَحَمَلَهَا إِلَيْهِ تَحْتَ الْبَلُّوطَةِ وَقَدَّمَهَا لَهُ. 20 فَقَالَ الْمَلاكُ لَهُ: «خُذِ اللَّحْمَ وَالْفَطِيرَ، وَضَعْهُمَا فَوْقَ تِلْكَ الصَّخْرَةِ وَاسْكُبِ الْحِسَاءَ» فَفَعَلَ جِدْعُونُ ذَلِكَ. 21 فَمَدَّ مَلاكُ الرَّبِّ طَرَفَ الْعُكَّازِ الَّذِي بِيَدِهِ وَمَسَّ بِهِ اللَّحْمَ وَالْفَطِيرَ، فَانْدَلَعَتْ نَارٌ مِنَ الصَّخْرَةِ وَالْتَهَمَتْهُمَا. وَتَوَارَى مَلاكُ الرَّبِّ عَنْ عَيْنَيْهِ. 22 وَعِنْدَمَا تَبَيَّنَ جِدْعُونُ أَنَّهُ مَلاكُ الرَّبِّ، هَتَفَ مُرْتَعِباً: «آهِ يَا سَيِّدِي الرَّبَّ! لَقَدْ رَأَيْتُ مَلاكَ الرَّبِّ وَجْهاً لِوَجْهٍ». 23 فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «السَّلامُ لَكَ، لَا تَخَفْ، فَأَنْتَ لَنْ تَمُوتَ». 24 فَبَنَى جِدْعُونُ هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ سَمَّاهُ: يَهْوَهْ شَلُومَ (وَمَعْنَاهُ: الرَّبُّ سَلامٌ). وَمَازَالَ الْمَذْبَحُ قَائِماً إِلَى هَذَا الْيَوْمِ فِي عَفْرَةِ الأَبِيعَزَرِيِّينَ.

25 وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ: «خُذْ ثَوْراً كَامِلَ النُّضْجِ مِنْ قَطِيعِ أَبِيكَ: وَثَوْراً ثَانِياً عُمْرُهُ سَبْعُ سَنَوَاتٍ، وَاهْدِمْ مَذْبَحَ الْبَعْلِ الَّذِي يَعْبُدُهُ أَبُوكَ، وَاقْطَعْ نُصُبَ عَشْتَارُوثَ الَّذِي إِلَى جِوَارِهِ. 26 وَابْنِ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ إِلَهِكَ عَلَى رَأْسِ تِلْكَ الصَّخْرَةِ، وَرَتِّبْ حِجَارَتَهُ فِي الْمَكَانِ الْمُعَدِّ، وَخُذِ الثَّوْرَ وَأَصْعِدْهُ مُحْرَقَةً عَلَى خَشَبِ النُّصُبِ الَّذِي قَطَّعْتَهُ». 27 عِنْدَئِذٍ أَخَذَ جِدْعُونُ عَشَرَةَ رِجَالٍ مِنْ عَبِيدِهِ وَنَفَّذَ لَيْلاً مَا أَمَرَهُ الرَّبُّ بِهِ، لأَنَّهُ كَانَ يَخْشَى غَضَبَ بَيْتِ أَبِيهِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَلَمْ يَجْرُؤْ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ نَهَاراً.

28 وَفِي فَجْرِ الْيَوْمِ التَّالِي اكْتَشَفَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنَّ مَذْبَحَ الْبَعْلِ مُتَهَدِّمٌ وَالنُّصُبَ الَّذِي إِلَى جِوَارِهِ مَقْطُوعٌ، وَالثَّوْرَ الثَّانِي قَدْ أُصْعِدَ عَلَى الْمَذْبَحِ الْجَدِيدِ. 29 فَسَأَلَ الْوَاحِدُ صَاحِبَهُ: «مَنْ صَنَعَ هَذَا الأَمْرَ؟» وَبَعْدَ بَحْثٍ وَتَحَرٍّ، اكْتَشَفُوا أَنَّ جِدْعُونَ بْنَ يُوآشَ هُوَ الْجَانِي. 30 فَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لِيُوآشَ: «أَخْرِجِ ابْنَكَ. يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ لأَنَّهُ هَدَمَ مَذْبَحَ الْبَعْلِ وَقَطَعَ النُّصُبَ الَّذِي إِلَى جِوَارِهِ». 31 فَقَالَ يُوآشُ لِجَمِيعِ الثَّائِرِينَ عَلَيْهِ: «أَعَازِمُونَ أَنْتُمْ عَلَى الدِّفَاعِ عَنِ الْبَعْلِ؟ أَمْ أَنْتُمْ تُحَاوِلُونَ إِنْقَاذَهُ؟ إِنَّ مَنْ يُقَاتِلُ دِفَاعاً عَنِ الْبَعْلِ حَتْماً يَمُوتُ فِي هَذَا الصَّبَاحِ (لأَنَّ ذَلِكَ إِهَانَةٌ لِلْبَعْلِ). إِنْ كَانَ الْبَعْلُ حَقّاً إِلَهاً فَلْيُقَاتِلْ عَنْ نَفْسِهِ لأَنَّ مَذْبَحَهُ قَدْ هُدِمَ». 32 وَمُنْذُ ذَلِكَ الْيَوْمِ دُعِيَ جِدْعُونُ يَرُبَّعْلَ، لأَنَّ يُوآشَ قَالَ: «لِيُقَاتِلْهُ بَعْلٌ»؛ لأَنَّ جِدْعُونَ قَدْ هَدَمَ مَذْبَحَهُ.

33 وَتَحَالَفَتْ جُيُوشُ مِدْيَانَ وَعَمَالِيقَ وَسِوَاهُمْ مِنْ أَبْنَاءِ الْمَشْرِقِ وَعَسْكَرُوا فِي وَادِي يَزْرَعِيلَ. 34 وَحَلَّ رُوحُ الرَّبِّ عَلَى جِدْعُونَ فَنَفَخَ الْبُوقَ فَانْضَمَّ إِلَيْهِ رِجَالُ أَبِيعَزَرَ. 35 وَأَرْسَلَ جِدْعُونُ مَبْعُوثِينَ إِلَى أَسْبَاطِ مَنَسَّى وَأَشِيرَ وَزَبُولُونَ وَنَفْتَالِي يَسْتَدْعِي قُوَّاتِهِمِ الْمُحَارِبَةَ، فَخَفُّوا إِلَيْهِ.

36 وَقَالَ جِدْعُونُ لِلهِ: «إِنْ كُنْتَ حَقّاً سَتُنْقِذُ إِسْرَائِيلَ عَلَى يَدَيَّ كَمَا وَعَدْتَ (فَأَعْطِنِي عَلامَةً عَلَى ذَلِكَ): 37 سَأَضَعُ اللَّيْلَةَ جَزَّةَ صُوفٍ فِي الْبَيْدَرِ، فَإِنِ ابْتَلَّتِ الْجَزَّةُ وَحْدَهَا بِالنَّدَى، وَبَقِيَتِ الأَرْضُ كُلُّهَا جَافَّةً، أُدْرِكُ أَنَّكَ تُنْقِذُ إِسْرَائِيلَ عَلَى يَدَيَّ كَمَا وَعَدْتَنِي». 38 وَهَذَا مَا حَدَثَ: فَعِنْدَمَا بَكَّرَ جِدْعُونُ فِي الصَّبَاحِ التَّالِي أَخَذَ جَزَّةَ الصُّوفِ وَضَغَطَهَا وَعَصَرَهَا فَقَطَرَ مِنْهَا مِلْءُ قَصْعَةٍ مِنَ الْمَاءِ. 39 فَقَالَ جِدْعُونُ للهِ: «لا يَحْتَدِمْ غَضَبُكَ عَلَيَّ وَدَعْنِي أَتَقَدَّمُ مَرَّةً أُخْرَى فَقَطْ بِطَلَبٍ وَاحِدٍ. اسْمَحْ لِي أَنْ أُجْرِيَ اخْتِبَاراً آخَرَ عَلَى هَذِهِ الْجَزَّةِ. لِتَبْقَ هَذِهِ الْجَزَّةُ وَحْدَهَا جَافَّةً، أَمَّا بَقِيَّةُ الأَرْضِ فَلْيُبَلِّلْهَا النَّدَى». 40 فَصَنَعَ الرَّبُّ ذَلِكَ. فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ ابْتَلَّتِ الأَرْضُ كُلُّهَا بِالنَّدَى وَبَقِيَتِ الْجَزَّةُ وَحْدَهَا جَافَّةً.