بالإِيمان

11 أَمَّا الإِيمَانُ، فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا نَرْجُوهُ، وَالاقْتِنَاعُ بِأَنَّ مَا لَا نَرَاهُ مَوْجُودٌ حَقّاً. بِهَذَا الإِيمَانِ، كَسَبَ رِجَالُ اللهِ قَدِيماً شَهَادَةً حَسَنَةً أَمَامَ اللهِ وَالنَّاسِ. وَعَنْ طَرِيقِ الإِيمَانِ، نُدْرِكُ أَنَّ الْكَوْنَ كُلَّهُ قَدْ خَرَجَ إِلَى الْوُجُودِ بِكَلِمَةِ أَمْرٍ مِنَ اللهِ. حَتَّى إِنَّ عَالَمَنَا الْمَنْظُورَ، قَدْ تَكَوَّنَ مِنْ أُمُورٍ غَيْرِ مَنْظُورَةٍ!

بِالإِيمَانِ، قَدَّمَ هَابِيلُ لِلهِ ذَبِيحَةً أَفْضَلَ مِنْ تِلْكَ الَّتِي قَدَّمَهَا قَايِينُ. وَعَلَى ذَلِكَ الأَسَاسِ، شَهِدَ اللهُ بِأَنَّ هَابِيلَ بَارٌّ، إِذْ قَبِلَ التَّقْدِمَةَ الَّتِي قَدَّمَهَا لَهُ. وَمَعَ أَنَّ هَابِيلَ مَاتَ قَتْلاً، فَإِنَّهُ مَازَالَ الآنَ يُلَقِّنُنَا الْعِبَرَ بِإِيمَانِهِ.

وَبِالإِيمَانِ، انْتَقَلَ أَخْنُوخُ إِلَى حَضْرَةِ اللهِ دُونَ أَنْ يَمُوتَ. وَقَدِ اخْتَفَى مِنْ عَلَى هَذِهِ الأَرْضِ لأَنَّ اللهَ أَخَذَهُ إِلَيْهِ. وَقَبْلَ حُدُوثِ ذلِكَ، شُهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَرْضَى اللهَ. فَمِنَ الْمُسْتَحِيلِ إِرْضَاءَ اللهِ بِدُونِ إِيمَانٍ. إِذْ إِنَّ مَنْ يَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ، لابُدَّ لَهُ أَنْ يُؤْمِنَ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَبِأَنَّهُ يُكَافِئُ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ إِلَيْهِ. وَبِالإِيمَانِ نُوحٌ، لَمَّا أَنْذَرَهُ اللهُ عَنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ بِالطُّوفَانِ الآتِي، دَفَعَهُ خَوْفُ اللهِ إِلَى بِنَاءِ سَفِينَةٍ ضَخْمَةٍ كَانَتْ وَسِيلَةَ النَّجَاةِ لَهُ وَلِعَائِلَتِهِ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ رَأَى طُوفَاناً مِنْ قَبْلُ. وَبِعَمَلِهِ هَذَا، حَكَمَ عَلَى الْعَالَمِ وَأَصْبَحَ وَارِثاً لِلْبِرِّ الْقَائِمِ عَلَى أَسَاسِ الإِيمَانِ.

وَبِالإِيمَانِ، لَبَّى إِبْرَاهِيمُ دَعْوَةَ اللهِ، فَتَرَكَ وَطَنَهُ وَانْطَلَقَ إِلَى أَرْضٍ أُخْرَى وَعَدَهُ اللهُ بِأَنْ يُوَرِّثَهُ إِيَّاهَا. وَلَمَّا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ، لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ أَيْنَ يَتَوَجَّهُ. وَبِالإِيمَانِ، كَانَ يَرْحَلُ كَالْغَرِيبِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ فِي الأَرْضِ الَّتِي وَعَدَهُ اللهُ بِها، وَكَأَنَّهَا أَرْضٌ غَرِيبَةٌ. وَكَانَ يَسْكُنُ فِي الْخِيَامِ مَعَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، شَرِيكَيْهِ فِي إِرْثِ الْوَعْدِ عَيْنِهِ. 10 فَإِنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ الانْتِقَالَ إِلَى الْمَدِينَةِ السَّمَاوِيَّةِ ذَاتِ الأُسُسِ الثَّابِتَةِ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَانِيهَا هُوَ اللهُ.

11 وَبِالإِيمَانِ أَيْضاً، نَالَتْ سَارَةُ زَوْجَةُ إِبْرَاهِيمَ قُدْرَةً عَلَى الإِنْجَابِ، فَوَلَدَتِ ابْناً مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ جَاوَزَتْ سِنَّ الْحَمْلِ. وَذَلِكَ لأَنَّهَا آمَنَتْ بِأَنَّ اللهَ، الَّذِي وَعَدَهَا بِذَلِكَ، لابُدَّ أَنْ يُحَقِّقَ وَعْدَهُ. 12 وَهكَذَا وُلِدَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، وَقَدْ كَانَ مَيِّتاً مِنْ حَيْثُ الْقُدْرَةِ عَلَى الإِنْجَابِ، شَعْبٌ كَبِيرٌ «كَنُجُومِ الْفَضَاءِ عَدَداً، وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ، لَا يُحْصَى».

13 هَؤُلاءِ جَمِيعاً، حَافَظُوا عَلَى إِيمَانِهِمْ إِلَى النِّهَايَةِ. وَمَاتُوا قَبْلَ أَنْ تَتَحَقَّقَ وُعُودُ اللهِ لَهُمْ فِي أَثْنَاءِ حَيَاتِهِمْ. وَلَكِنَّهُمْ رَأَوْهَا مِنْ بَعِيدٍ، وَتَوَقَّعُوا تَحْقِيقَهَا كَامِلَةً فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَإِذْ آمَنُوا بِتِلْكَ الْوُعُودِ الإِلَهِيَّةِ اعْتَرَفُوا بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا إِلّا غُرَبَاءَ عَلَى الأَرْضِ يَزُورُونَهَا زِيَارَةً عَابِرَةً. 14 وَالَّذِينَ يَقُولُونَ ذَلِك، يُوْضِحُونَ أَنَّ عُيُونَهُمْ عَلَى وَطَنِهِمِ الْحَقِيقِيِّ. 15 وَلَوْ تَذَكَّرُوا الْوَطَنَ الأَرْضِيَّ الَّذِي هَجَرُوهُ، لاغْتَنَمُوا الْفُرْصَةَ وَعَادُوا إِلَيْهِ. 16 وَلَكِنْ، لا، فَهُمُ الآنَ يَتَطَلَّعُونَ إِلَى وَطَنٍ أَفْضَلَ، أَيِ الْوَطَنِ السَّمَاوِيِّ. بِسَبَبِ إِيمَانِهِمْ هَذَا لَا يَسْتَحِي اللهُ أَنْ يُدْعَى إِلَهَهُمْ، فَهُوَ قَدْ أَعَدَّ لَهُمْ مَدِينَةً!

17 وَبِالإِيمَانِ، إِبْرَاهِيمُ أَيْضاً، لَمَّا امْتَحَنَهُ اللهُ، قَدَّمَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ. فَإِنَّهُ، إِذْ قَبِلَ وُعُودَ اللهِ، قَدَّمَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ ذَبِيحَةً، 18 مَعَ أَنَّ اللهَ قَالَ لَهُ: «بِإِسْحَاقَ سَوْفَ يَكُونُ لَكَ نَسْلٌ يَحْمِلُ اسْمَكَ!» 19 فَقَدْ آمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِأَنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى إِقَامَةِ إِسْحَاقَ مِنَ الْمَوْتِ. وَالْوَاقِعُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ اسْتَعَادَ ابْنَهُ مِنَ الْمَوْتِ، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ أَوِ الرَّمْزِ. 20 بِالإِيمَانِ، بَارَكَ إِسْحَاقُ يَعْقُوبَ وَعِيسُو. 21 وَبِالإِيمَانِ، بَارَكَ يَعْقُوبُ، قُبَيْلَ مَوْتِهِ، كُلَّ وَاحِدٍ مِنِ ابْنَيْ يُوسُفَ، وَسَجَدَ مُتَوَكِّئاً عَلَى رَأْسِ عَصَاهُ. 22 وَبِالإِيمَانِ، اسْتَنَدَ يُوسُفُ عَلَى وَعْدِ اللهِ بِإِخْرَاجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بِلادِ مِصْرَ، فَتَرَكَ وَصِيَّةً بِأَنْ يَنْقُلُوا رُفَاتَهُ مَعَهُمْ.

23 بِالإِيمَانِ مُوسَى خَبَّأهُ وَالِدَاهُ حَتَّى صَارَ عُمْرُهُ ثَلاثَةَ أَشْهُرٍ، لأَنَّهُمَا رَأَيَاهُ طِفْلاً جَمِيلاً، وَلَمْ يَخَافَا الْمَرْسُومَ الَّذِي أَصْدَرَهُ الْمَلِكُ. 24 وَبِالإِيمَانِ، مُوسَى نَفْسُهُ، لَمَّا كَبُرَ، رَفَضَ أَنْ يُدْعَى ابْناً لاِبْنَةِ فِرْعَوْنَ. 25 بَلِ اخْتَارَ أَنْ يتَحَمَّلَ الْمَذَلَّةَ مَعَ شَعْبِ اللهِ، بَدَلاً مِنَ التَّمَتُّعِ الْوَقْتِيِّ بِلَذَّاتِ الْخَطِيئَةِ. 26 فَقَدِ اعْتَبَرَ أَنَّ عَارَ الْمَسِيحِ، هُوَ ثَرْوَةٌ أَعْظَمُ مِنْ كُنُوزِ مِصْرَ، لأَنَّهُ كَانَ يَتَطَلَّعُ إِلَى الْمُكَافَأَةِ.

27 بِالإِيمَانِ، تَرَكَ أَرْضَ مِصْرَ وَهُوَ غَيْرُ خَائِفٍ مِنْ غَضَبِ الْمَلِكِ. فَقَدْ مَضَى فِي تَنْفِيذِ قَرَارِهِ، كَأَنَّهُ يَرَى بِجَانِبِهِ اللهَ غَيْرَ الْمَنْظُورِ. 28 وَبِالإِيمَانِ، أَقَامَ الْفِصْحَ وَرَشَّ الدَّمَ، لِكَيْ لَا يَمَسَّ مُهْلِكُ الأَبْكَارِ أَحَداً مِنْ أَبْنَاءِ شَعْبِهِ.

29 بِالإِيمَانِ اجْتَازَ الشَّعْبُ فِي الْبَحْرِ الأَحْمَرِ كَأَنَّهُ أَرْضٌ يَابِسَةٌ. أَمَّا الْمِصْرِيُّونَ، فَإِذْ حَاوَلُوا ذَلِكَ غَرِقُوا!

30 بِالإِيمَانِ انْهَارَتْ أَسْوَارُ مَدِينَةِ أَرِيحَا، بَعْدَمَا دَارَ الشَّعْبُ حَوْلَهَا لِمُدَّةِ سَبْعَةِ أَيَّامٍ. 31 وَجَزَاءً لِلإِيمَانِ، نَجَتْ رَاحَابُ الزَّانِيَةُ مِنَ الْمَوْتِ الْمُحَتَّمِ مَعَ الْمُتَمَرِّدِينَ، بَعْدَمَا اسْتَقْبَلَتِ الْجَاسُوسَيْنِ بِسَلامٍ.

32 وَهَلْ مِنْ حَاجَةٍ بَعْدُ لِمَزِيدٍ مِنَ الأَمْثِلَةِ؟ إِنَّ الْوَقْتَ لَا يَتَّسِعُ لِي حَتَّى أَسْرُدَ أَخْبَارَ الإِيمَانِ عَنْ: جِدْعُونَ وَبَارَاقَ وَشَمْشُونَ وَيَفْتَاحَ وَدَاوُدَ وَصَمُوئِيلَ وَالأَنْبِيَاءِ. 33 فَبِالإِيمَانِ، تَغَلَّبَ هؤُلاءِ عَلَى مَمَالِكِ الأَعْدَاءِ، وَحَكَمُوا حُكْماً عَادِلاً وَنَالُوا مَا وَعَدَهُمْ بِهِ اللهُ. وَبِهِ، سَدُّوا أَفْوَاهَ الأُسُودِ، 34 وَأَبْطَلُوا قُوَّةَ النَّارِ، وَنَجَوْا مِنَ الْمَوْتِ قَتْلاً بِالسَّيْفِ. وَبِهِ أَيْضاً نَالُوا القُوَّةَ بَعْدَ ضَعْفٍ، فَصَارُوا أَشِدَّاءَ فِي الْمَعَارِكِ، وَرَدُّوا جُيُوشاً غَرِيبَةً عَلَى أَعْقَابِهَا.

35 وَبِالإِيمَانِ، اسْتَرْجَعَتْ بَعْضُ النِّسَاءِ أَمْوَاتَهُنَّ بَعْدَمَا أُعِيدُوا إِلَى الْحَيَاةِ. وَبِهِ، تَحَمَّلَ كَثِيرُونَ الْعَذَابَ وَالضَّرْبَ، وَمَاتُوا رَافِضِينَ النَّجَاةَ، لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ سَوْفَ يَقُومُونَ إِلَى حَيَاةٍ أَفْضَلَ. 36 وَكَثِيرُونَ غَيْرُهُمْ تَحَمَّلُوا الْمُحَاكَمَاتِ الظَّالِمَةَ تَحْتَ الإِهَانَةِ وَالْجَلْدِ، وَالإِلْقَاءَ فِي السُّجُونِ مُقَيَّدِينَ بِالسَّلاسِلِ. 37 وَمِنْهُمْ مَنْ حُوكِمُوا فَمَاتُوا رَجْماً بِالْحِجَارَةِ، أَوْ نَشْراً بِالْمِنْشَارِ، أَوْ ذَبْحاً بِالسَّيْفِ. وَبَعْضُهُمْ، تَشَرَّدُوا مُتَسَتِّرِينَ بِجُلُودِ الْغَنَمِ وَالْمِعْزَى، يُعَانُونَ مِنَ الْحَاجَةِ وَالضِّيقِ وَالظُّلْمِ، 38 وَلَمْ يَكُنِ الْعَالَمُ يَسْتَحِقُّهُمْ، تَائِهِينَ فِي الْبَرَارِي وَالْجِبَالِ وَالْمَغَاوِرِ وَالْكُهُوفِ.

39 إِنَّ هؤُلاءِ لَمْ يَحْصُلُوا جَمِيعاً عَلَى تَحْقِيقِ كُلِّ مَا وَعَدَهُمُ اللهُ بِهِ، مَعَ أَنَّهُمْ حَاصِلُونَ عَلَى شَهَادَةٍ حَسَنَةٍ مِنْ جِهَةِ الإِيمَانِ. 40 وَلَكِنَّ اللهَ سَبَقَ فَأَعَدَّ لَنَا مَا هُوَ أَفْضَلُ، وَذَلِكَ حَتَّى لَا يُكَمَّلُوا بِمَعْزِلٍ عَنَّا.

الإيمَان

11 وَالإيمَانُ هُوَ التَّيَقُّنُ مِمَّا نَرجُو، أيِ الْبُرهَانُ لَنَا عَلَى وُجُودِ مَا لَا يُرَى. وَبِسَبَبِ هَذَا الإيمَانِ، أظْهَرَ اللهُ رِضَاهُ عَلَى القُدَمَاءِ. بِالإيمَانِ نَفهَمُ أنَّ الكَونُ خُلِقَ بِأمْرِ اللهِ، حَتَّى إنَّ مَا يُرَى كُوِّنَ مِمَّا لَا يُرَى.

بِالإيمَانِ قَدَّمَ هَابِيلُ ذَبِيحَةً للهِ أفْضَلَ مِمَّا قَدَّمَ قَايِينُ. وَهَكَذَا صَادَقَ اللهُ عَلَى أنَّهُ بَارٌّ، إذْ قَبِلَ تَقْدِمَاتِهِ. وَبِإيمَانِهِ مَا يَزَالُ يَتَكَلَّمُ مَعَ أنَّهُ مَيِّتٌ.

بِالإيمَانِ رُفِعَ أخنُوخُ إلَى اللهِ حَيًّا، فَلَمْ يَذُقِ المَوْتَ. وَمَا كَانَ مُمْكِنًا أنْ يَجِدَهُ أحَدٌ عَلَى الأرْضِ لِأنَّ اللهَ رَفَعَهُ إلَيْهِ. فَقَبْلَ أنْ يُرفَعَ، امتُدِحَ لِأنَّهُ أرْضَى اللهَ.

وَبِغَيرِ إيمَانٍ، لَا يَمْكِنُ إرضَاءُ اللهِ. فَعَلَى مَنْ يَأتِي إلَى اللهِ أنْ يُؤمِنَ بِأنَّهُ مَوجُودٌ، وَبِأنَّهُ يُكَافِئُ الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ.

بِالإيمَانِ بَنَى نُوحٌ سَفِينَةً لِيُخَلِّصَ نَفْسَهُ وَعَائِلَتَهُ، إذْ حَذَّرَهُ اللهُ مِنْ أُمُورٍ لَمْ تَحْدُثْ بَعْدُ، فَامتَلأ رَهبَةً. وَبِإيمَانِهِ هَذَا أدَانَ العَالَمَ، وَصَارَ وَرِيثًا لِلبِرِّ الَّذِي يَأتِي بِالإيمَانِ.

بِالإيمَانِ أطَاعَ إبْرَاهِيمُ اللهَ لَمَّا دَعَاهُ، وَخَرَجَ إلَى مَكَانٍ سَيَصِيرُ مِيرَاثًا لَهُ. خَرَجَ حَتَّى دُونَ أنْ يَعْرِفَ إلَى أيْنَ.

بِالإيمَانِ عَاشَ إبْرَاهِيمُ فِي الأرْضِ المَوعُودَةِ كَغَرِيبٍ فِي أرْضٍ غَرِيبَةٍ. سَكَنَ الخِيَامَ كَمَا فَعَلَ إسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ اللَّذَانِ كَانَا وَرِيثَينِ لِنَفْسِ الوَعْدِ مَعَهُ. 10 فَعَلَ هَذَا لِأنَّهُ كَانَ يَتَطَلَّعُ إلَى المَدِينَةِ ذَاتِ الأسَاسَاتِ الأبَدِيَّةِ، المَدِينَةِ الَّتِي مُهَندِسُهَا وَبَانِيهَا هُوَ اللهُ.

11 بِالإيمَانِ نَالَ إبْرَاهِيمُ قُدرَةً عَلَى أنْ يُنجِبَ ابنًا مَعَ أنَّ سَارَةَ كَانَتْ عَاقِرًا. وَمَعَ أنَّهُ تَعَدَّى سِنَّ الإنجَابِ، إلَّا أنَّهُ عَلِمَ أنَّ اللهَ الَّذِي وَعَدَهُ أمِينٌ. 12 وَمِنْ هَذَا الرَّجُلِ الوَاحِدِ الَّذِي كَانَ فِي حُكْمِ الأمْوَاتِ، جَاءَ نَسْلٌ كَثِيرٌ بِعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ، وَبِعَدَدِ حَبَّاتِ الرَّملِ عَلَى شَاطِئِ البَحْرِ.

13 مَاتَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ وَهُمْ مُؤمِنُونَ. مَاتُوا دُونَ أنْ يَنَالُوا الوُعُودَ، لَكِنَّهُمْ حَيُّوهَا بِفَرَحٍ مِنْ بَعِيدٍ مُقِرِّينَ بِأنَّهُمْ غُرَبَاءُ عَابِرُونَ هَذِهِ الأرْضَ. 14 وَمَنْ يَقُولُونَ مِثْلَ هَذَا، يُظهِرُونَ أنَّهُمْ يَبْحَثُونَ عَنْ وَطَنٍ. 15 فَلَو كَانُوا يُفَكِّرُونَ بِالوَطَنِ الَّذِي تَرَكُوهُ، لَكَانَتْ لَهُمْ فُرصَةُ العَودَةِ إلَيْهِ. 16 لَكِنَّهُمْ كَانُوا يَحِنُّونَ إلَى وَطَنٍ أفْضَلَ، وَطَنٍ سَمَاوِيٍّ. وَلِهَذَا فَإنَّ اللهَ لَا يَسْتَحِي بِأنْ يُدْعَى إلَهَهُمْ، فَقَدْ أعَدَّ لَهُمْ مَدِينَةً.[a]

17 بِالإيمَانِ قَدَّمَ إبْرَاهِيمُ ابنَهُ إسْحَاقَ ذَبِيحَةً عِنْدَمَا امتَحَنَهُ اللهُ. نَعَمْ، فَالَّذِي تَلَقَّىْ وُعُودَ اللهِ، كَانَ مُسْتَعِدًّا أنْ يُقَدِّمَ ابنَهُ الوَحِيدَ. 18 إذْ قَالَ لَهُ اللهُ: «سَيَكُونُ لَكَ نَسْلٌ بِوَاسِطَةِ إسْحَاقَ.»[b] 19 فَآمَنَ إبْرَاهِيمُ بِاللهِ القَادِرِ عَلَى إقَامَةِ الأمْوَاتِ. وَيُمكِنُ القَولُ رَمزِيًّا إنَّ إبرَاهِيمَ استَرَدَّ إسْحَاقَ مِنَ المَوْتِ.

20 بِالإيمَانِ بَارَكَ إسْحَاقُ وَلَدَيْهِ يَعْقُوبَ وَعِيسُو بَرَكَاتٍ تَتَعَلَّقُ بِالمُسْتَقْبَلِ.

21 بِالإيمَانِ بَارَكَ يَعْقُوبُ وَلَدَي يُوسُفَ كِلَيهِمَا وَهُوَ يُحتَضَرُ، وَسَجَدَ للهِ مُتَّكِئًا عَلَى عَصَاهُ.

22 بِالإيمَانِ تَحَدَّثَ يُوسُفُ فِي نِهَايَةِ حَيَاتِهِ عَنْ خُرُوجِ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ، وَأوصَاهُمْ بِمَا يُريدُ مِنْهُمْ أنْ يَفْعَلُوا بِعِظَامِهِ.

23 بِالإيمَانِ، وَالِدَا مُوسَىْ أخْفَيَاهُ ثَلَاثَةَ أشهُرٍ بَعْدَ وِلَادَتِهِ. لَقَدْ رَأيَا أنَّهُ طِفلٌ جَمِيلٌ، وَلَمْ يَخْشَيَا أوَامِرَ المَلِكِ.

24 بِالإيمَانِ لَمَّا كَبِرَ مُوسَى رَفَضَ أنْ يُدْعَى ابنًا لابنَةِ فِرعَوْنَ. 25 وَاخْتَارَ سُوءَ المُعَامَلَةِ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى التَّمَتُّعِ بِمَلَذَّاتِ الخَطِيَّةِ المُؤَقَّتَةِ. 26 وَاعتَبَرَ احتِمَالَ الخِزيِ مِنْ أجْلِ المَسِيحِ أثمَنَ مِنْ كُنُوزِ مِصْرَ كُلِّهَا، لِأنَّهُ كَانَ يَتَطَلَّعُ إلَى مُكَافَأتِهِ.

27 بِالإيمَانِ تَرَكَ مُوسَىْ مِصْرَ غَيْرَ عَابِئٍ بِغَضَبِ المَلِكِ. وَكَانَ ثَابِتَ العَزمِ كَأنَّهُ يَرَى اللهَ الَّذِي لَا يُرَى.

28 بِالإيمَانِ احتَفَلَ بِالفِصحِ، وَرَشَّ الدَّمَ لِكَيْ لَا يَمَسَّ المَلَاكُ المُهلِكُ[c] أيَّ بِكرٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ.

29 بِالإيمَانِ عَبَرَ بَنُو إسرَائِيلَ البَحْرَ الأحْمَرَ كَأنَّهُمْ يَمْشُونَ عَلَى أرْضٍ يَابِسَةٍ، لَكِنْ حِينَ حَاوَلَ المِصْرِيُّونَ أنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، غَرِقُوا.

30 بِالإيمَانِ سَقَطَتْ أسوَارُ أرِيحَا، بَعْدَ أنْ دَارَ الشَّعْبُ حَوْلَهَا سَبْعَةَ أيَّامٍ.

31 بِالإيمَانِ لَمْ تُقتَلْ رَاحَابُ السَّاقِطَةُ مَعَ الَّذِينَ عَصَوْا، لِأنَّهَا رَحَّبَتْ بِالجَاسُوسَينِ.

32 وَمَاذَا أقُولُ أيْضًا؟ إذْ لَا وَقْتَ لِلحَدِيثِ عَنْ جَدعُونَ وَبَارَاقَ وَشَمشُونَ وَيَفتَاحَ وَدَاوُدَ وَصَمُوئِيلَ وَالأنْبِيَاءِ.

33 بِالإيمَانِ فَتَحَ هَؤُلَاءِ مَمَالِكَ، وَرَسَّخُوا العَدْلَ، وَنَالُوا وُعُودًا مِنَ اللهِ. سَدُّوا أفوَاهَ أُسُودٍ. 34 أطفَأُوا قُوَّةَ النَّارِ، وَنَجَوْا مِنَ المَوْتِ بِالسَّيفِ. اكتَسَبُوا قُوَّةً وَهُمْ ضُعَفَاءُ. صَارُوا أشِدَّاءَ فِي المَعَارِكِ، وَهَزَمُوا جُيُوشًا غَرِيبَةً. 35 استَرَدَّتْ نِسَاءٌ أشْخَاصًا مَاتُوا ثُمَّ قَامُوَا مِنَ الموتِ. تَعَرَّضَ آخَرُونَ لِلتَّعذِيبِ، وَرَفَضُوا أنْ يُطلَقَ سَرَاحُهُمْ، لِكَي يَنَالُوا قِيَامَةً أفْضَلَ. 36 وَاجَهَ بَعْضُهُمُ الاستِهزَاءَ وَالجَلْدَ، وَوَاجَهَ آخَرُونَ السَّلَاسِلَ وَالسُّجُونَ. 37 رُجِمَ بَعْضُهُمْ، وَنُشِرَ بَعْضُهُمْ. قُتِلَ بَعْضُهُمْ بِالسَّيفِ، وَتَجَوَّلَ بَعْضُهُمْ فِي جُلُودِ غَنَمٍ وَمَاعِزٍ. افتَقَرُوا وَاضطُهِدُوا وَأُسِيئَتْ مُعَامَلَتُهُمْ. 38 لَمْ يَكُنِ العَالَمُ جَدِيرًا بِهِمْ. هَامُوا فِي الصَّحَارَى وَالجِبَالِ، وَعَاشُوا فِي كُهُوفٍ وَمَغَايِرَ فِي الأرْضِ.

39 امتَدَحَ اللهُ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا عَلَى إيمَانِهِمْ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَنَالُوا الوَعْدَ العَظِيمَ. 40 فَقَدْ أعَدَّ اللهُ لَنَا شَيْئًا أفْضَلَ مِمَّا نَالُوا هُمْ، وَأرَادَ أنْ يُحَقِّقَ الكَمَالَ لَنَا وَلَهُمْ مَعًا.

Footnotes

  1. 11‏:16 مَدِينَةُ مَدِينَةُ روحيَّة يسكن فيهَا الله مع شعبه. وتُسمَّى أيْضًا «القُدْسِ السَّمَاويَّة.»
  2. 11‏:18 سيكون … إسْحَاق من كتَاب التَّكْوِين 21‏:12.
  3. 11‏:28 الملَاك المهلك هُوَ الملَاك الَّذِي أرسله الله لقتلِ الأبكَار (أوَّل الموَاليد) فِي مصر. انْظُرْ كتَاب الخروج 12‏:29‏-32.